[size=24]متى جمع الإمام علي (عليه السلام) مصحفه؟[size=24]
[size=24]إنّ أول مَن تصدى لجمع القرآن بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وبوصية منه(18) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قعد في بيته مشتغلاً بجمع القرآن وترتيبه على ما نزل.
قال ابن النديم ـ بسند يذكره ـ: أن علياً (عليه السلام) رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فأقسم أن لا يضع رداءه حتى يجمع القرآن(19).
وروى محمد بن سيرين عن عكرمة، قال: لما كان بدء خلافة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته يجمع القرآن. قال: قلت لعكرمة: هل كان تأليف غيره كما أنزل الأول فالأول؟
قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يُألفوه هذا التأليف ما استطاعوه.
قال ابن سيرين: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه(20).
ما هو امتياز مصحف الإمام علي (عليه السلام) عن بقية المصاحف؟
واذا ما ثبت أن هناك مصحفاً للإمام علي (عليه السلام) قد جمعه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فما هي صفات ذلك المصحف؟ وهل يختلف عن غيره من المصاحف الأُخرى التي جمعت بعد مصحفه؟
قالوا: إنّ الفرق بين مصحف الإمام علي (عليه السلام) والمصاحف الأُخرى التي اختلفت فيما بينها أيضاً، هو أنّ الإمام (عليه السلام) رتّبه على ما نزل، كما اشتمل على شروح وتفاسير لمواضع من الآيات مع بيان أسباب ومواقع النزول.
قال(عليه السلام): (ما نزلت آية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا اقرأنيها وأملاها عليّ، فأكتبها بخطي. وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها. ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليّ فكتبته منذ دعا لي ما دعا)(21).
كما اشتمل على جملة من علوم القرآن الكريم، مثل: المحكم والمتشابه والمنسوخ والناسخ وتفسير الآيات وتأويلها(22).
هل عرض الإمام(عليه السلام) مصحفه على الناس؟
نعم، بعد أن جمعه جاء به إلى الناس وقال: إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغولاً بغسله وتجهيزه ثم بالقرآن حتى جمعته كله ولم ينزل الله على نبيّه آية من القرآن إلاّ وقد جمعتها(23).
وعرض الإمام مصحفه على الناس وأوضح مميزاته فقام إليه رجل من كبار القوم فنظر فيه، فقال: يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه(24).
قال الإمام علي(عليه السلام): (أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنّما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه)(25).
لماذا لم يخرج الإمام مصحفه في زمن الخليفة عثمان؟
خلال عهد عثمان اختلفت المصاحف، وأُثيرت الضجة بين المسلمين، فسأل طلحة الإمام علياً (عليه السلام) لو يخرج للناس مصحفه الذي جمعه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: وما يمنعك ـ يرحمك الله ـ أن تخرج كتاب الله إلى الناس؟! فكفّ (عليه السلام) عن الجواب أولاً، فكرّر طلحة السؤال، فقال: لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك من أمر القرآن، ألا تظهره للناس؟
وأوضح الإمام (عليه السلام) سبب كفّه عن الجواب لطلحة مخافة أن تتمزق وحدة الأُمة، حيث قال: يا طلحة عمداً كففت عن جوابك فأخبرني عمّا كتبه القوم؟ أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال طلحة: بل قرآن كله. قال (عليه السلام): إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة...(26).
مصير مصحف الإمام علي (عليه السلام):
تفيد الروايات بأن المصحف قد سلّمه الإمام علي (عليه السلام) للأئمة من بعده وهم يتداولونه الواحد بعد الآخر لا يُرونه لأحد(27).
كما لم يعد خبر المصحف والحديث عنه خافياً على العلماء الباقين. ذكر ابن النديم أنه أول مصحف جمع فيه القرآن، وكان هذا المصحف عند آل جعفر، وفي قول آخر يتوارثه بنو الحسن(28).
ثم تابع ابن سيرين مصير المصحف في المدينة المنورة فلم يفلح على حصوله، وقد صرّح بخصوصية المصحف بقوله: (فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم)(29).
إذن تتلخص قصة مصحف الإمام علي (عليه السلام) بما يلي:
إن الإمام (عليه السلام) جمع القرآن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكانت سوره وآياته هي آيات وسور القرآن المتداول بين المسلمين اليوم، وكان متضمناً ترتيب السور حسب النزول والى جانبها أسباب النزول، إلاّ أن موقف بعض الصحابة من مصحفه كان موقفاً سياسياً.
ومن هنا فالأحرى أن نعتبره نسخة أُخرى من القرآن الكريم متضمّنة لسوره وآياته، وليس هو قرآن آخر سوى القرآن الكريم.
وجاء الخصوم بعد ذلك ليقولوا: إن الشيعة تدّعي أن للإمام علي (عليه السلام) مصحفاً غير المصحف المتداول بين المسلمين ظلماً ورغبة في تفريق صف الأُمة المسلمة(30).
الهوامش:
1- نهج البلاغة ، الخطبة: 176 ، وراجع أيضاً المعجم الموضوعي لنهج البلاغة لتقف على مجموعة النصوص الواردة عنه في هذا الشأن.
2- نهج البلاغة : الخطبة: 122.
3- وهذا لا يعني أن الأصحاب أو الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ليست لديهم صحف حول القرآن الكريم قد تكون متضمنة لتفسيره وتأويله، أو أسباب نزوله وغير ذلك مما يرتبط بالقرآن الكريم.
4- العسب: جريد النخل.
5- اللخاف: الحجارة الرقيقة.
6- الأكتاف: عظمُ البعير.
7- المستدرك: 2 / 611.
8- الإتقان: 1 / 202 ومستدرك الحاكم 3: 656.
9- الإتقان: 1 / 211.
10- مجمع البيان: 1/85، ومناهل العرفان: 1/234، ومسند أحمد: 5/324، ومباحث علوم القرآن: 121، وحياة الصحابة: 3/260، ومستدرك الحاكم: 3/356.
11- مجمع الزوائد: 1/152.
12- كنز العمال: 1 / حديث 2280.
13- مجمع الزوائد: 9/371، حياة الصحابة 3: 344.
14- كنز العمال: 2 / حديث 4792.
15- انظر الطبقات الكبرى: 2/338، انساب الاشراف: 1/587، شرح بن أبي الحديد: 1/27، مناهل العرفان: 1/247، الإتقان: 1/204، كنز العمال 2: 588 / 4792.
16- صحيح البخاري: 6/225 ـ 226 ، المصاحف للسجستاني: 11 ـ 14، الكامل في التاريخ: 3/55 ، البرهان: 1 / 239 ـ 243.
17- التمهيد (محمد هادي معرفة): 1 / 312.
18- راجع تفسير القمي: 745 ، بحار الأنوار: 92 / 48 ح 5.
19- المناقب: 2/40.
20- الإتقان: 1/57، وراجع الطبقات: 2/101، الاستيعاب بهامش الإصابة: 2/253، التسهيل لعلوم التنزيل: 1/4، بحار الأنوار: 92 / 88 ح 27، آلاء الرحمن: 1/18.
21- تفسير البرهان: 1/16 ح 14.
22- راجع الإرشاد والرسالة السروية للمفيد، وأعيان الشيعة: 1 / 89، وتاريخ القرآن للأبياري: 85. حقائق هامة حول القرآن الكريم: 153 ـ 158.
23- الاحتجاج للطبرسي: 82.
24- كتاب سليم بن قيس: 72، المناقب: 1 / 40 ـ 41، الاحتجاج للطبرسي: 82، وبحار الأنوار: 92 / 51 ح 18.
25- تفسير الصافي: 1 / 36.
26- سليم بن قيس: 110، وعنه في بحار الأنوار: 92 / 42 ح 1.
27- بحار الأنوار: 92 / 42 ح 1.
28- الفهرست لابن النديم: 47 ـ 48.
29- الطبقات: 2 / 101 وعنه في الإتقان: 1 / 57.
30- لاحظ: الشيعة والسنّة لإحسان الهي ظهير: 88 وغيره ممن سار على نهجه[/size][/right][/color][/size][url][/url][/size][/size]